کد مطلب:168104 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:160

اشارة (ماذا لو حصلت فاجعة عاشوراء فی اللیل)
مرَّ بنا قول الراوی فی روایة الطبری فی تعلیله لطلب الامام (ع) من عمر


بن سعد أن یؤجّلهم إلی صباح یوم العاشر: (وإنّما أراد بذلك أن یردَّهم عنه تلك العشیّة حتّی یأمر بأمره ویوصی أهله.). [1] .

كما مرَّ بنا أیضاً قول الامام الحسین (ع) نفسه لاخیه أبی الفضل العبّاس (ع):

(إرجع إلیهم، فإنْ استطعت أن تؤخّرهم إلی غدوة وتدفعهم عنّ االعشیّة، لعلّنا نصلّی لربّنا اللیلة وندعوه ونستغفره، فهو یعلم أنّی قد كنت أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.).

ولعلّ ماظنّه الراوی فی روایة الطبری كان صحیحاً، فی أنه (ع)أراد المهلة إلی الصباح حتّی یأمر من ینجو من أهله بأوامره ویوصیهم بوصایاه، وهذا لاینافی ما ورد فی الاثر أنه (ع) ترك وصایاه وأماناته عند أمّ سلمة (رض) [2] حتّی تسلّمها إلی الامام السجّاد(ع) بعد عودته، كما لاینافی كون الامام السجّاد(ع) والعقیلة زینب (ع) وسواهما من أهله كانوا معه منذ بدء رحلة الركب من المدینة حتّی كربلاء.

لكنّ هذا سببٌ من جملة أسباب متعددة كانت الدافع لطلب الامام (ع) المهلة حتّی الصباح، ولم یكن السبب الوحید الذی انحصرت به القضیّة كما عبّر الراوی عن ذلك بأداة الحصر (إنّما)!

وصحیح تماماً أنّ الامام الحسین (ع) كان یحبّ أن یقضی اللیلة الاخیرة من عمره الشریف خصوصاً وأنها لیلة جمعة فی صلاة وكثرة دعاء واستغفار وتلاوة القرآن.


نعم، لكنّ هذا أیضاً مع أهمیّته البالغة كان من جملة الاسباب!

(إنّ الامام الحسین (ع) كان قد تعامل فی العمق مع كلّ قضیّة فی مسارالنهضة المقدّسة بمنطق (الشهید الفاتح)، وخاطبها بلغة الشهادة التی هی عین الفتح! وإنْ كان فی نفس الوقت قد تعاطی مع ظواهرالقضایا بمنطق الحج الظاهرة، ولامنافاة بین المنطقین بل هما فی طول بعضهما البعض...

فحیث إنْ لم یبایع (ع) یُقتل! فقد سعی (ع) ألاّیُقتل فی ظروف زمانیة ومكانیة وبكیفیّة یختارها ویخطّط لها ویُعدّها العدوّ، وسعی (ع) بمنطق (الشهید الفاتح) أن یتحقّق مصرعه الذی لابدّ منه علی أرض یختارها هو، [3] لایتمكّن العدوّ فیها أن یعتمّ علی مصرعه فتختنق الاهداف المرجوّة من وراء هذا المصرع الذی سیهزّ الاعماق فی وجدان الامّة ویحرّكها بالاتجاه الذی أرادالحسین (ع)، كما سعی (ع) أن تجری وقائع المأساة فی وضح النهار لافی ظلمة اللیل، لیری جریان وقائعها أكبر عدد من الشهود، فلایتمكّن العدوّ من أن یعتمّ علی هذه الوقائع الفجیعة ویغطّی علیها، وهذا هو الهدف المنشود من وراءالعامل الاعلامی والتبلیغی فی طلب الامام (ع) عصر تاسوعاء أن یمهلوه إلی صبیحة عاشوراء!). [4] .

نعم، فهذا السبب وإن كان من جملة حسابات التخطیط الحربی خصوصاً بالنسبة إلی قوّة محاصرة فی بقعة محدودة ضیّقة إلاّ أنّه سبب أوّل وأساس فی حسابات التخطیط الاعلامی والتبلیغی،خصوصاً بالنسبة إلی إمام مفترض ‍ الطاعة مظلوم مع مجموعة من الانصار الربانیین، یرید أن یكشف للامّة وللعالم أجمع عن حقّانیته وأحقیته ومظلومیته، وعن وحشیّة أعدائه وعدم مراعاتهم لایّمعنی والتزام أخلاقی ودینیّ!


فكان لابدّ من النهار، (وأنْ یُحشرَ الناس ضحی)، [5] حتّی یشهد النّاس التفاصیل الكبیرة والصغیرة من الفاجعة والمأساة،ویسمعوا كلّ البلاغات والنداءات والاحتجاجات الالهیة عن لسان الامام (ع) وأنصاره الكرام! ثمّ لینظروا كیف لاتستجیب الوهدة لنداء الذروة! ویروا فی واضحة النهار كیف تفترس أسنّة الرذیلة النواهش وسیوفها البواتر هیكل الفضیلة الطاهر!، وكیف تهشّم حوافر خیولها العمیاء أضلاع الصدر القدسیّ الذی فی طیّه سرُّ الاله مصون!، وكیف تُباد عصبة الابرار، وتُحزُّ الرؤوس،ویُقتل الصغار، وكیف تنحرُ سهام الضلالة الحاقدة حتی الطفل الرضیع! وكیف تُحرقُ الخیام! وتُسلبُ النساء! وینتهب الرحل!.. الی ما سوی ذلك من تفاصیل مأساویة فجیعة، شوهدت فی رابعة النهار، فرواها المشاهدون، وتناقلها الناس والتأریخ.

لقد كان النهار عاملاً مهمّاً من عوامل نجاح حفظ حقیقة فاجعة الطفّ كماهی وبكلّ تفاصیلها، إذ لو كانت قد حصلت الواقعة فی لیل لغطّت ظلمته علی جلّ تفاصیلها المفجعة وبطولاتها المشرقة،ولما رأی من حضرها إلاّ نزراً قلیلاً من وقائعها، ثمّ لما بلغنا منها إلاّ حكایة مبهمة وجیزة لاتحمل فی طیّاتها من الفعل والتأثیر إلاّ شیئاً یسیرا!


[1] وكذلك قال البلاذري في أنساب الاشراف، 3:392: (وإنّما أراد أن يوصي أهله ويتقدّم إليهم فيما يريد).

[2] راجع: كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، 195، حديث 109، وكتاب الصراط المستقيم: 161 (النصّ علي يزيد العابدين 7).

[3] وهذا ما يفسّر إصرار الامام (ع) علي التوجّه إلي العراق (أرض المصرع المختار).

[4] راجع: الجزء الاول: (الامام الحسين (ع) في المدينة المنوّرة): 155-156.

[5] سورة طه، الاية 59، والاية عن لسان موسي (ع) حينما حدّد موعد المواجهة مع السحرة أن يكون يوم الزينة وأن يُحشر الناس ضحي، وذلك ليري الجميع بوضوح كيف تلقف عصاه ما يأفك السحرة وليتناقل الناس مشهد هزيمة فرعون في هذه المواجهة.